144- قال الله لموسى عليه السلام: يا موسى إني اخترتك وفضلتك على الناس برسالاتي إلى خلقي الذين أرسلتك إليهم، وبكلامي لك بدون واسطة، فخذ ما أعطيتك من التوراة فيها الأمر والنهي واعمل بها، وكن من الشاكرين لله على هذا العطاء العظيم.
145- وكتبنا لموسى عليه السلام في التوراة كلَ ما يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، موعظة لمن يتعظ منهم، وتفصيلًا لتكاليف الأحكام التي يحتاجون إلى تفصيلها، من تكاليف الحلال والحرام، والأمر والنهي، والعقائد والأخبار والمغيبات، فخذ هذه التوراة يا موسى بجد واجتهاد، وأمر قومك من بني إسرائيل أن يعملوا بما شرع الله لهم فيها، وأن يأخذوا بأحسن ما فيها، من الواجب كفعل المأمور به على أكمل وجه، والمستحبِ مما أجره عظيم كالعفو والإحسان وغير ذلك؛ فمن أشرك منهم ومن غيرهم فإني سأريه وأدخله النار في الآخرة التي أعددتها لتكون دارًا للفاسقين عن طاعتي المخالفين لأمري، وأريه في الدنيا ديار الذين أهلكتهم بما كفروا.
146- سأصرف عن فهم آياتي الكونية والاعتبار بها، وآياتي الشرعية في الكتاب قلوبَ المتكبرين عن طاعتي وعن اتباع الحق، المتكبرين على عباد الله، عقوبة لهم، وإن يَرَ هؤلاء المتكبرون كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الحق الموصل إلى مرضاة الله لا يتخذوه طريقًا يسلكوه، وإن يروا طريق الغواية والضلال الموصل إلى سخط الله يسلكوه، ذلك الذي أصابهم من عمى قلوبهم وانتكاسها؛ إنما أصابهم بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.
147- والذين كذبوا بآياتنا الدالة على صدق رسلنا وكذبوا بلقاء الله يوم القيامة؛ حبط ما عملوا من الطاعات بسبب فَـقْـد شرطها الأعظم، وهو الإيمان بالله والتصديق بالجزاء، ولا ينَالون يوم القيامة إلا جزاء ما كانوا يعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي، وجزاء ذلك هو الخلود في النار.
148- واتخذ قوم موسى عليه السلام من بعد ذهابه لمناجاة ربه إلهًا معبودًا من الذهب الذي حملوه معهم من مصر، فصنع لهم السامريُّ عجلًا جسدًا لا روح فيه، وله صوت يشبه خوار البقر، ألم يعلموا أن هذا العجل لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى طريق الخير، ولا يجلب لهم نفعًا ولا يكشف عنهم ضرًا؟ أقدموا على هذا الأمر الشنيع، وكانوا ظالمين لأنفسهم بذلك، ووقعوا في الشرك الأكبر.
149- ولما ندم الذين عبدوا العجل من دون الله بعد رجوع موسى عليه السلام إليهم، وعلموا أنهم قد ضلوا عن الصراط المستقيم تضرعوا إلى ربهم فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بقبول توبتنا، ويوفقنا لطاعته، ويغفر لنا ما أقدمنا عليه من عبادة العجل؛ لنكونن من الذين خسروا الدنيا والآخرة.