2- هو الذي أخرج الذين كفروا بالله وكذبوا نبوة محمد ﷺ من أهل الكتاب وهم يهود بني النضير، من مساكنهم المجاورة للمسلمين في المدينة بعد نقض عهدهم مع الرسول ﷺ فحاصرهم ورضوا بالجلاء، وذلك أول إخراج لليهود من جزيرة العرب إلى أرض الشام، ما ظننتم -أيها المسلمون- أن يخرجوا من ديارهم لمنعة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم وقوتهم، وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من عذاب الله، فأتاهم أمر الله وعذابه من جهة لم يخطر ببالهم أن يأتيهم أمره منها، وهو أمر الله نبيه بقتالهم وإجلائهم من ديارهم، وألقى الله في قلوبهم الخوف الشديد، حتى إنهم ليخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاتعظوا يا أصحاب الأبصار السليمة بما حل بهم وجرى لهم، فلا تفعلوا أفعالهم فيحل بكم ما أحل بهم من غضب الله وعذابه.
4- ذلك الذي أصاب يهود بني النضير من عذاب الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة لمخالفتهم أوامر الله ومعادتهم رسوله ونقضهم للعهود، ومن يخالف ما أمر الله به أو نهى عنه فإن الله شديد العقاب لمن أعرض عن طاعته.
5- ما قطعتم -أيها المؤمنون- من نخلة لتغيظوا بها أعداءكم أو تركتموها قائمة على ساقها لتنتفعوا بها فبأمر الله، وليذل الله بذلك الخارجين عن طاعته المخالفين لأمره ونهيه.
6- وما رده الله على رسوله من أموال بني النضير فلم تركبوا لتحصيله خيلًا ولا إبلًا، ولم تقاسوا فيه مشقة، ولكنَّ الله يسلط رسله على من يشاء من أعدائه، وقد سلط رسوله على بني النضير بعد نقضهم العهد ففتح بلادهم بغير قتال، والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
7- ما أنعم الله به على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غير قتال فهو لله يأمر فيه بما شاء، وللرسول يصرفه في مصالح المسلمين العامة، ولذوي قرابته من بني هاشم وبني المطلب لفقرائهم لأنهم قد منعوا من الصدقة، ولمن مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ وهم فقراء، ولذوي الحاجة من المسلمين، وللغريب الذي نفدت نفقته، وذلك حتى لا يكون تداول المال بين الأغنياء دون الفقراء، وما أعطاكم الرسول من مال الفيء وغيره أو شرعه لكم من شرع فخذوه، وما نهاكم عن أخذه أو فعله فانتهوا عنه، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن الله شديد العقاب لمن خالف أوامره ونواهيه فاحذروا من عقابه.
8- ويُعطى من مال الفيء للفقراء المهاجرين الذين أخرجهم كفار مكة وأجبروهم على ترك ديارهم وأموالهم، يرجون أن يتفضل الله عليهم بالرزق في الدنيا وبالرضوان في الآخرة، وينصرون الله ورسوله بالجهاد في سبيله، أولئك هم الصادقون في إيمانهم.
9- والذين سكنوا المدينة قبل المهاجرين، وآمنوا بالله ورسوله، يحبون من هاجر إليهم من أهل مكة، وقد أشركوهم في أموالهم ومساكنهم، ولا يجدون في صدورهم حسدًا وغيظًا على المهاجرين إذا ما أُعطوا من مال الفيء ولم يعطوا هم، وطابت أنفسهم بذلك، ويقدمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم ولو كان بهم حاجة وفقر، ومن كفاه الله حرص نفسه على المال وبخله به فأدى ما أوجبه الله عليه فيه فقد فاز بما يرجو ونجا مما يخاف.
10- والذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا في الدين الذين سبقونا بالإيمان بالله ورسوله، ولا تجعل في قلوبنا حقدًا وحسدًا لأحد من المؤمنين، ربنا إنك رؤوف بعبادك رحيم بهم في العاجل والآجل.
11- ألم تنظر -أيها الرسول- إلى الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر من المنافقين يقولون لإخوانهم في الكفر من يهود بني النضير: لئن أخرجكم محمد من دياركم لنخرُجنَّ معكم، ولا نُطيع أحدًا أبدًا يريد أن يمنعنا من الخروج معكم، ولئن قاتلوكم لنساعدنكم عليهم وننصركم على عدوكم، فاثبتوا في دياركم، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به بني النضير من الخروج معهم ونصرتهم.
12- لئن أخرج المسلمون اليهودَ من المدينة لا يخرج المنافقون معهم، وإن قاتلوهم لا يعينوهم ولا ينصروهم، وإن أعانوهم ونصروهم ليولنَّ الأدبار منهزمين، ثم لا يُنصرون بعد ذلك بل يُذلهم الله ولا ينفعهم نفاقهم.
13- إن اليهود والمنافقين يخافون منكم خوفًا شديدًا، وخوفهم وخشيتهم منكم أشد في صدورهم من خوف الله وخشيته، وذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون، إذ لو فقهوا لعلموا أن الله هو الذي سلطكم عليهم فهو أحق أن يخاف منه ويطاع.
14- لا يجتمع اليهود لقتالكم -أيها المؤمنون- إلا في قرى محصنة بالأسوار أو من خلف الحيطان التي يَحتَمون بها لجبنهم ورهبتهم، عداوتهم شديدة فيما بينهم، تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة، والواقع أن قلوبهم متفرقة، وذلك سببه أنهم قوم لا يعقلون، إذ لو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه.
15- مثَل هؤلاء اليهود في ترك الإيمان وما حل بهم من عقوبة كمثل كفار قريش يوم بدر، وقد وقع ذلك في زمن قريب، ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله ﷺ بالقتل في الدنيا وذل الأسر لمن أسر منهم، ولهم في الآخرة عذاب موجع شديد الإيلام.
16- مثَل هؤلاء المنافقين في إغراء اليهود ووعدهم بالنصر وتخاذلهم عنهم كمثل الشيطان حين زيَّن للإنسان الكفر وأغراه به ودعاه إليه، فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب الخلائق أجمعين.
17- فكان عاقبة أمر الشيطان ومن أطاعه من الإنس فكفر بربه؛ أنهما يوم القيامة في النار ماكثيْن فيها لا يخرجون منها أبدًا، وذلك جزاء الظالمين لأنفسهم الذين يتعدون حدود الله.
18- يا من آمنتم بالله وصدقتم برسوله واتبعتم شرعه، اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وخافوا عقابه، ولتنظر كل نفس ما قدمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة، إن الله خبير بما تعملون لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها يوم القيامة.
19- ولا تكونوا -أيها المؤمنون- مثل الذين نَسوا الله بترك طاعته وارتكاب معاصيه؛ فأنساهم الله أنفسهم؛ فلم يعملوا الصالحات التي تنجيهم من عِقاب الله، أولئك هم الخارجون عن طاعة الله.
20- لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة في الجزاء، فجزاؤهم على حسب أعمالهم في الدنيا، أصحاب الجنة هم الفائزون بكل مطلوب يطلبونه، الناجون من كل مكروه يرهبونه.
21- لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من الجبال لرأيته -أيها الرسول- مع صلابته وقوته متذللًا متشققًا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس؛ لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته فيتعظون ويعتبرون.
23- هو الله الذي لا معبود بحق غيره، الملك لجميع الأشياء المتصرف فيها، المنزه عن كل نقص، السالم من كل عيب، المصدق لرسله بإظهار المعجزات المؤيدة لهم، الرقيب على أعمال عباده، العزيز الذي لا يغلبه أحد، الجبار الذي قهر جميع العباد، المتكبر عما لا يليق به، تنزه الله عن كل ما يشركون به من الأصنام وغيرها.
24- هو الله الخالق الذي خلق الخلق وأنشأهم من العدم، الموجد للأشياء، المصور لمخلوقاته وفق ما يريد، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، يُنَزِّهه جميع ما في السماوات وما في الأرض عما لا يليق به، وهو العزيز فلا يغلِبه أحد، شديد الانتقام من أعدائه، الحكيم في تدبير أمور خلقه وشرعه.