وتذكروا نعمة الله عليكم حين جعلكم تخلفون قوم عاد، وأنزلكم في أرضكم تتمتعون بها، وتدركون مطالبكم، وذلك بعد إهلاك عاد بعد تماديهم في الكفر والتكذيب، تبنون في سهول الأرض القصور، وتقطعون الجبال لتصنعوا بيوتًا لكم، فاذكروا نعم الله عليكم لتشكروا الله عليها، واتركوا السعي في الأرض بالفساد، وذلك بترك الكفر بالله وترك المعاصي.
قال السادة والرؤساء ممن استكبروا من قومه للمؤمنين من قومه الذين يستضعفونهم: أتعلمون - أيها المؤمنون - أن صالحًا رسول من الله حقًّا؟ فأجابهم المؤمنون المستضعفون: إنا بالذي أرسل به صالح إلينا مصدقون ومقرّون ومنقادون، وبشرعه عاملون.
فنحروا الناقة التي نهاهم أن يمسوها بإيذاء، مستكبرين عن امتثال أمر الله، وقالوا مستهزئين مُسْتبعِدين لما توعدهم به صالح: يا صالح، جئنا بما توعدتنا به من العذاب الأليم إن كنت من رسل الله حقًّا.
فأعرض صالح عليه السلام عن قومه بعد اليأس من استجابتهم، وقال لهم: يا قوم، لقد أوصلت لكم ما أمرني الله بتبليغه إليكم، ونصحتكم مرغِّبًا لكم ومرهِّبًا، ولكنكم قوم لا تحبون الناصحين الحريصين على دلالتكم على الخير وإبعادكم عن الشر.
إنكم لتأتون الرجال لقضاء الشهوة دون النساء اللائي خُلِقن لقضائها، فلم تتبعوا في فعلتكم هذه عقلًا ولا نقلًا ولا فطرة، بل أنتم متجاوزون لحدود الله بخروجكم عن حد الاعتدال البشري، وانحرافكم عما تقتضيه العقول السليمة، والفطر الكريمة.
التفاسير:
من فوائد الآيات في هذه الصفحة:
• الاستكبار يتولد غالبًا من كثرة المال والجاه، وقلة المال والجاه تحمل على الإيمان والتصديق والانقياد غالبًا.
• جواز البناء الرفيع كالقصور ونحوها؛ لأن من آثار النعمة: البناء الحسن مع شكر المنعم.
• الغالب في دعوة الأنبياء أن يبادر الضعفاء والفقراء إلى الإصغاء لكلمة الحق التي جاؤوا بها، وأما السادة والزعماء فيتمردون ويستعلون عليها.
• قد يعم عذاب الله المجتمع كله إذا كثر فيه الخَبَث، وعُدم فيه الإنكار.