فطردناهم من رحمتنا بسبب نقضهم العهد المؤكد عليهم، وبسبب كفرهم بآيات الله، وجراءتهم على قتل الأنبياء، وبقولهم لمحمد صلى الله عليه وسلم: قلوبنا في غطاء، فلا تعي ما تقول، والأمر ليس كما قالوا، بل ختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم فلا يصل إليها خير؛ فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلًا لا ينفعهم.
ولعناهم بقولهم مفتخرين كذبًا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله. وما قتلوه كما ادعوا وما صلبوه، ولكن قتلوا رجلًا ألقى الله شَبَهَ عيسى عليه وصلبوه، فظنوا أن المقتول هو عيسى عليه السلام. والذين ادعوا قتله من اليهود والذين أسلموه إليهم من النصارى، كلاهما في حيرة من أمره وشك، فليس لهم به علم، وإنما يتبعون الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا، وما قتلوا عيسى، وما صلبوه قطعًا.
وما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام بعد نزوله آخر الزمان وقبل موته، ويوم القيامة يكون عيسى عليه السلام شاهدًا على أعمالهم؛ ما يوافق الشرع منها وما يخالف.
فبسبب ظلم اليهود حَرَّمْنَا عليهم بعض المآكل الطيبة التي كانت حلالًا لهم، فحرمنا عليهم كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما، وبسبب صدهم أنفسهم وصدهم غيرهم عن سبيل الله، حتى صار الصد عن الخير سجية لهم.
لكنِ الثابتون المتمكنون في العلم من اليهود، والمؤمنون يُصَدِّقُون بما أنزله الله عليك - أيها الرسول - من القرآن، ويُصَدِّقُون بما أنزل من الكتب على من قبلك من الرسل كالتوراة والإنجيل، ويقيمون الصلاة، ويعطون زكاة أموالهم، ويصدقون بالله إلهًا واحدًا لا شريك له، ويصدقون بيوم القيامة؛ أولئك المتصفون بهذه الصفات سنعطيهم ثوابًا عظيمًا.
التفاسير:
من فوائد الآيات في هذه الصفحة:
• عاقبة الكفر الختم على القلوب، والختم عليها سبب لحرمانها من الفهم.
• بيان عداوة اليهود لنبي الله عيسى عليه السلام، حتى إنهم وصلوا لمرحلة محاولة قتله.
• بيان جهل النصارى وحيرتهم في مسألة الصلب، وتعاملهم فيها بالظنون الفاسدة.
• بيان فضل العلم، فإن من أهل الكتاب من هو متمكن في العلم حتى أدى به تمكنه هذا للإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.